
في ولاية بومرداس، على بُعد 35 كيلومتراً فقط شرق الجزائر العاصمة، تقع مدينة بودواو (أو «ألما» باسمها الاستعماري القديم)، جوهرة هادئة في سهل المتيجة. يحدها وادي بودواو الذي يعني اسمه بالقبائلية «الدودة المضيئة»، رمزاً لحيوية مياهه، وتضم اليوم أكثر من 70 ألف نسمة (تقديرات 2025). ليست مجرد تقاطع طرق، بل هي مدينة صغيرة دافئة، مفعمة بالحركة والإنسانية، تجمع بين هدوء الريف وقرب البحر، وبين التراث القبائلي ونبض الحياة اليومية الجزائرية الحقيقية.
تخيّل سهلاً خصيباً يرويه وادٍ دائم الجريان، والبحر المتوسط على بُعد 4 كيلومترات فقط. مناخها متوسطي لطيف: صيف دافئ يخففه نسيم البحر، وشتاء معتدل يدعو للتنزه على ضفاف الوادي. وسط المدينة لا يزال يحتفظ بسحر العمارة الاستعمارية: مبانٍ من القرن التاسع عشر، كنيسة سانتا تيريزا، ساحة البلدية… كلها تشكّل لوحة جميلة لا تملّ العين منها. أما بودواو البحري، الشقيقة الساحلية، فتضيف لمسة الاسترخاء: شواطئ عامة ممتدة، مرفأ صيد صغير يفوح منه رائحة السردين الطازج، وكورنيش يمشي فيه الناس عند الغروب وكأنهم في فيلم جزائري قديم.
ما يجعل بودواو «حنونة» حقاً هو أناسها. ورثة قبيلة بني عيشة القبائلية، يحملون كرم الجزائري وطيبة القبائلي معاً. المقاهي التقليدية في الشارع الرئيسي (المعروف قديماً بشارع ديزلي) هي برلمانات شعبية: كأس شاي بالنعناع، نقاش حاد عن مباراة الاتحاد أو الانتخابات، وضحكة عالية تربط الجميع. الأسواق الأسبوعية (الإثنين والخميس) مليئة بالبرتقال الذهبي والطماطم الحمراء، والناس يسلمون على بعضهم كأنهم عائلة واحدة. حتى في شهر رمضان، الساحة الرئيسية تتحول إلى مسرح مفتوح للحكواتي والموسيقى الغنّاوية.
بودواو ليست نائمة، بل تغلي:
لأنها ليست مدينة كبيرة تُرهقك، ولا قرية صغيرة تُملّك. هي التوازن المثالي:
بودواو ليست وجهة سياحية عالمية، وهي لا تريد أن تكون كذلك. هي مدينة تعيش، تضحك، تعمل، وتفتح ذراعيها لمن يريد أن يعيش الجزائر الحقيقية: دافئة، صاخبة، طيبة، ومليئة بالحياة.
إذا مررت يوماً من هناك، توقف قليلاً… اشرب قهوة في مقهى الوسط، اشتر برتقالة من السوق، واستمع إلى صوت المدينة. ستخرج منها وأنت تقول: «والله هذي هي الجزائر اللي نحبوها».
مضاف من طرف : patrimoinealgerie
صاحب المقال : Photo : Hichem BEKHTI