الجزائر

خيارات واسعة أمام السعودية.. كيف ترد على جاستا؟




خيارات واسعة أمام السعودية.. كيف ترد على جاستا؟
ضرَبَ جزءٌ كبير من صناع القرار في أمريكا، موعداً آخر مع التخبّط في صياغة السياسات الخارجية ومسائل الأمن القومي والدولي لتلك البلاد. جاء الحدث هذه المرة من أروقة الكونغرس الذي أسقط فيتو الرئيس الأمريكي باراك أوباما على قانون "العدالة ضدّ رعاة الإرهاب" (جاستا). هذا القانون يسمح لذوي ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 بمقاضاة المملكة العربية السعودية تجاه أي دور مزعوم لها في تلك الإعتداءات.ومن المفارقات التي رافقت صياغة هذا القانون، أنّه بالكاد أنهت صحيفة تيليغراف البريطانية إشادتها بالفيتو الذي وضعه أوباما على جاستا، نظراً لتداعياته السلبية على الأصعدة السياسية والقانونية والديبلوماسية على أمريكا وحلفائها، حتى أسقط مجلسا النواب والشيوخ الأمريكيان هذا الفيتو، مسقطين معه في الوقت نفسه، جميع الإعتبارات المنطقية والأسس المنهجية القاضية بتحديد الجهات الحقيقية ذات الباع الطويل في رعاية الإرهاب وإيوائه.ولئن كان التخبط سمة طاغية في تشكيل قسم من النخب الأمريكية لقواعد السياسة الخارجية (ليس أولها الفيتو المذكور)، تبدو السعودية مصممة على دراسة الخطوات المناسبة بوضوح، كي تعيد بوصلة تحديد رعاة الإرهاب إلى رشدها. من هنا، تقف الرياض أمام خيارات واسعة جداً، بل "ترسانة" من الخيارات على حدّ تعبير وكالة أسوشييتد برس الأمريكية. وهذه لمحة عمّا يمكن أن تلجأ إليه المملكة في القادم من الزمان، في حال لم يُعد الكونغرس النظر بقراره الأخير.قيادة هادئة.. ردود واضحةإن ظنّ البعض أنّ السعودية ستقع تحت ضغط بسبب جاستا، فسيصاب بصدمة على الأرجح. إذ بعدما شبّه الصحافي في موقع هافينغتون بوست أكبر شهيد أحمد، ذاك القانون بالمجازفة الإستعراضية التي تعطي دفعاً لأصحاب نظريات المؤامرة، كتب أنّ الكونغرس ينشر الأكاذيب ويضرّ السياسات الخارجية لأمريكا في وقت هو "حقاً، حقاً، غير مُساعِد". فعائلات الضحايا التي تريد أن تحرّك دعاوى قضائية ضدّ المملكة "سيخيب ظنّها"، لأنّها ستنتهي "بالاعتماد على التحقيقات الحكومية الأمريكية نفسها التي سبق لها عدّة مرات أن وجدت المملكة بريئة". ولذلك سيكون هدوء الأعصاب عاملاً مهماً لدى السعودية في اختيار نوع الرد وآليته وتوقيته. "مزيج من جهل وانتقام بغير محلّه"كان الكاتب في موقع تروثديغ الأمريكي خوان كول في غاية الصراحة عندما شبّه القانون ب"الكارثة". وأكّد أنّ آثاره السلبية سترتدّ على أمريكا بشكل واضح. كول بدأ مقاله بالتشديد على أن لا دور للسعودية بدعم بن لادن، بل على العكس من ذلك، هي قامت بسحب جواز سفره قبل نفيه إلى الخارج حيث اِحتضنته السودان التي عادت وتعرّضت لضغط منها كي تطرده قبل توجّهه إلى أفغانستان. وأشار الكاتب إلى أنّ المحقّقين في مكتب التحقيقات الفيديرالي أف بي آي والمحاكم الأمريكية إرتكبوا أخطاء جسيمة بحقّ العدالة، بسبب "مزيج من الجهل والإنتقام في غير محلّه"، إذ لا يستطيع "معظم قضاتنا أن يخبروكم الفرق بين سنّي وشيعي وإرهابي وسلفي".المملكة ... من مُقاضًى إلى مقاضٍ؟ثمّ انتقل كول لكي يتحدّث عن صناديق الثروة السيادية التي تشكّل جزءاً كبيراً من عالم المال، وفي أمريكا، يمكن أن تصبح معرضة جداً لل"خطر" في حال حصول "الإنقلاب على الحصانة السيادية". وكتب عن الصياغات الفضفاضة للقانون التي ستسمح لمختلف المواطنين أن يقاضوا مختلف الحكومات. وبالتالي، ردّاً على ذلك، يسأل كول عن السبب الذي يمنع عندها المملكة من السماح لمواطنيها بمقاضاة الولايات المتحدة على دعمها للعمليات الإرهابية التي يشنّها المستوطنون العشوائيون في الضفة الغربية. وكتب عن قدرة المخاوف من عمليات التقاضي التي قد يطلقها القانون، على التسبب بانخفاض الإستثمارات الخارجية المباشرة في جميع أنحاء العالم وإثارة دوّامة تنازلية في الاقتصاد العالمي.الأمريكيون سيعانونوركّز كول على النية القصدية لدى بن لادن في تسخير خاطفين من السعودية على الرغم من وجود متطوّعين من مختلف دول العالم، لأنّه أمِل في دقّ إسفين بين الدولتين لتعريضهما كلتيهما لمخاطر الإرهاب. "لقد فشل (بن لادن) حتى قرّر الكونغرس الأمريكي مساعدته على النجاح". وختم كاتباً: "الكونغرس قام بالعديد من الأمور الغبيّة. لكنّ هذا هو أسوؤها. الأمريكيون العاديون سيعانون من هذا القانون غير الحكيم"."سيؤذينا بدلاً من أن يؤذيهم"ربّما كان العضو السابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية سي آي أي تْشَت نايغل الأكثر دقّة في توصيف جاستا بكونه "القانون المعادي للسعودية"، قبل أن يؤكّد أنّه "سيؤذينا نحن (الأمريكيين) لا هُم". وكتب في موقع ذا دايلي كولر الأمريكي اذي يتّخذ من واشنطن مقراً له، عن أنّ جاستا، كما الاتفاق النووي مع إيران، "الدولة المصنّفة راعية للإرهاب"، سيكون "خطيراً جداً ومكلفاً جداً لأمريكا وباقي دول العالم". وكلّ ذلك، بسبب كون الممثلين والشيوخ "يريدون الآن أن يظهروا قساة على الإرهاب في سنة إنتخابية، حتى أسرعوا بإنهاء (صياغة) قانون جاستا بدون نقاش ودراسة متأنية لآثاره". الأسئلة التي لم يطرحها الكونغرسومهّد كاتب المقال للإجراءات التي يمكن أن تتخذها المملكة بسلسلة من الأسئلة التوضيحية: "هل سيقف السعوديون مكتوفي الأيدي أمام هذا القانون؟ أم يبيعون أو ينقلون معظم أصولهم بأسرع وقت ممكن إلى خارج الولايات المتحدة؟ هل سيتّخذون إجراءات اقتصادية أخرى؟ ويوضح رأيه الأوّلي بالكتابة عن أنه في حال ناقش المشرعون بطريقة مناسبة قانون جاستا، لأدركوا مع الجمهور "ما يمكن للسعوديين أن يفعلوه لاقتصادنا ولقيمة الدولار".فكّ ربط الريال بالدولار لفت نايغل إلى أنّ أول ما يجب أن يتبادر إلى الأذهان، هو أن يأخذ "الجيل الجديد للقياديين السعوديين" بالاعتبار فكّ ربط الريال بالدولار. وأشار إلى أنّ احتياطيات العملة الأجنبية للمملكة تضاءلت، كما عانى السعوديون من ارتفاع تكاليف واردات الغذاء كنتيجة لهذا الارتباط، ولذلك، قد يقررون الآن إنهاءه والتوقف عن إدراج سعر النفط بالدولار. وهذا بحسب نايغل، سيؤثر على مكانة الدولار كعملة إحتياطية رئيسية في العالم. تذكير بحديث الجبيرواستذكر الكاتب ما قاله وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في آذار (مارس) الماضي، حين حذّر من أن تحوّل جاستا إلى قانون سيجعل المملكة تبيع 750 مليار دولار من سندات الخزينة الأمريكية وغيرها من الأصول كي لا تجمّدها المحاكم الأمريكية. وذكر أنّ وزارة الخزانة الأمريكية كشفت بحسب قناة بلومبرغ أنّ لدى السعوديين 117 مليار دولار في سندات الخزينة وهو ربما نصف الموجود في الحسابات الخارجية وهذا يَظهر فقط في بيانات من بلدان أخرى كما كتب نايغل.وظائف الأمريكيين مهدّدةدايفد أندلمان، وفي تقريره لقناة سي أن أن الأمريكية حذّر من إمكانية غياب أي نية لدى السعودية بالاتكال على الأمريكيين بعد قانون جاستا. في البداية، أشار أندلمان إلى أنّ الكونغرس وافق بعد تردّد على بيع السعودية أسلحة بقيمة مليار وخمس مئة مليون دولار أمريكي. بينما باعتها بريطانيا أسلحة بقيمة 7 مليارات دولار بالإضافة إلى 72 مقاتلة تايفون ما يضيف حوالي 6 مليارات دولار أخرى. ولدى فرنسا عقد بيع جارٍ لأسلحة بقيمة 12 مليار دولار. ويشير إلى أنّ أيّ تحوّل في وجهة السعودية لشراء الأسلحة "قد تكلّف العديد من الأمريكيين وظائفهم". منافسة تسويقية عسكرية جديدةكما رأى أنّ جاستا لن يحسّن بعض المشاكل بين أمريكا من جهة والإمارات العربية المتحدة ومصر من جهة أخرى، الدولتين اللتين تقتربان من مرتبة السعودية على مستوى شراء الأسلحة من الولايات المتحدة بحسب التقرير نفسه. ويتابع بأنّ السعودية شكلت 23% من سوق صادرات الأسلحة إلى الشرق الأوسط، في حين بلغ رقم الإمارات 20% في المجال نفسه. ومع محاولات مصنعي الأسلحة في فرنسا وبريطانيا وألمانيا الدخول على هذا الخط، سيكون "الكونغرس قد أعطى كلاً من منافسينا درجة تسويقية جديدة".والسلاح التقليدي حاضر أيضاًعلى صعيد آخر، وبعد التوصّل إلى الاتفاق في الجزائر بشأن خفض إنتاج النفط لرفع أسعاره، شدّد الكاتب، على أنّه ومع اقتراب فصل الشتاء وتوقع مزيد من الارتفاع على أسعار الذهب الأسود، ستكون أمريكا في موقع تفاوضي ضعيف جداً مع المملكة لتلافي التغيّر الحاصل في الأسعار. ومع أنّ أندلمان تمنى ألّا تنخرط السعودية بنهاية المطاف في "انتقام سياسي" إلّا أنّه رأى أنّ "الكونغرس أعطى المملكة بشكل مؤكّد كل سبب كي تثور". لا تراجع عن مكافحة الإرهاببالعودة إلى وكالة أسوشييتد برس، ذكر تقريرها أدوات أخرى يمكن أن تلجأ إليها المملكة للردّ على جاستا، مثل تحجيم الاتصالات الرسمية وتخفيض الإستثمارات وحرمان أمريكا من استخدام قواعد جوية هامة. لكن الآراء بشأن تخفيض السعودية للتعاون الأمني مع الولايات المتحدة في مسائل محاربة داعش والمجموعات الإرهابية ليست مبنية على منطلقات تاريخية أو مصلحية مقنعة. فتقرير الوكالة ذكر أنّ فهد نازر، المحلل السياسي السابق في السفارة السعودية بواشنطن قال إنّه سيندهش إذا قررت الرياض التراجع عن عمليات مكافحة الإرهاب لأنها تمثل مصلحة مشتركة بين البلدين.
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)