الجزائر - A la une

هل يجوز الصيام بعد نصف شعبان؟


هل يجوز الصيام بعد نصف شعبان؟
هل يجوز الصيام بعد نصف شعبان؟ لأنني سمعت أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصيام بعد نصف شعبان؟
روى أبو داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلا تَصُومُوا). صححه الألباني في صحيح الترمذي. فهذا الحديث يدل على النهي عن الصيام بعد نصف شعبان، أي ابتداءً من اليوم السادس عشر.
غير أنه قد ورد ما يدل على جواز الصيام. فمن ذلك: ما رواه البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلا يَوْمَيْنِ إِلا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ).
فهذا يدل على أن الصيام بعد نصف شعبان جائز لمن كانت له عادة بالصيام، كرجل اعتاد صوم يوم الاثنين والخميس، أو كان يصوم يوماً ويفطر يوماً. ونحو ذلك.
وروى البخاري ومسلم عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، يَصُومُ شَعْبَانَ إِلا قَلِيلا). واللفظ لمسلم. قال النووي: قَوْلهَا: (كَانَ يَصُوم شَعْبَان كُلّه، كَانَ يَصُومُهُ إِلا قَلِيلا) الثَّانِي تَفْسِيرٌ لِلأَوَّلِ، وَبَيَان أَنَّ قَوْلهَا "كُلّه" أَيْ غَالِبُهُ.
فهذا الحديث يدل على جواز الصيام بعد نصف شعبان، ولكن لمن وصله بما قبل النصف.
وقد عمل الشافعية بهذه الأحاديث كلها، فقالوا: لا يجوز أن يصوم بعد النصف من شعبان إلا لمن كان له عادة، أو وصله بما قبل النصف.
هذا هو الأصح عند أكثرهم أن النهي في الحديث للتحريم. وذهب بعضهم كالروياني إلى أن النهي للكراهة لا التحريم.
قال النووي رحمه الله في رياض الصالحين : (باب النهي عن تقدم رمضان بصومٍ بعد نصف شعبان، إلا لمن وصله بما قبله أو وافق عادة له بأن كان عادته صوم الاثنين والخميس).
وذهب جمهور العلماء إلى تضعيف حديث النهي عن الصيام بعد نصف شعبان، وبناءً عليه قالوا: لا يكره الصيام بعد نصف شعبان.
قال الحافظ: وَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ: يَجُوزُ الصَّوْمُ تَطَوُّعًا بَعْدَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ وَضَعَّفُوا الْحَدِيثَ الْوَارِدَ فِيهِ، وَقَالَ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ إِنَّهُ مُنْكَرٌ، من فتح الباري. وممن ضعفه كذلك البيهقي والطحاوي. وذكر ابن قدامة في المغني أن الإمام أحمد قال عن هذا الحديث: (لَيْسَ هُوَ بِمَحْفُوظٍ. وَسَأَلْنَا عَنْهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ، فَلَمْ يُصَحِّحْهُ، وَلَمْ يُحَدِّثْنِي بِهِ، وَكَانَ يَتَوَقَّاهُ. قَالَ أَحْمَدُ: وَالْعَلاءُ ثِقَةٌ لا يُنْكَرُ مِنْ حَدِيثِهِ إلا هَذَا).
والعلاء هو العلاء بن عبد الرحمن يروي هذا الحديث عن أبيه عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وقد أجاب ابن القيم رحمه الله في "تهذيب السنن" على من ضَعَّفَ الحديثَ، فقال ما محصله: إن هذا الحديث صحيح على شرط مسلم، وإنَّ تفرد العلاء بهذا الحديث لا يُعَدُّ قادحاً في الحديث لأن العلاء ثقة، وقد أخرج له مسلم في صحيحه عدة أحاديث عن أبيه عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وكثير من السنن تفرد بها ثقاتٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقبلتها الأمة وعملت بها. ثم قال: وَأَمَّا ظَنُّ مُعَارَضَته بِالأَحَادِيثِ الدَّالَّة عَلَى صِيَام شَعْبَان، فَلا مُعَارَضَة بَيْنهمَا، وَإِنَّ تِلْكَ الأَحَادِيث تَدُلّ عَلَى صَوْم نِصْفه مَعَ مَا قَبْله، وَعَلَى الصَّوْم الْمُعْتَاد فِي النِّصْف الثَّانِي، وَحَدِيث الْعَلاء يَدُلّ عَلَى الْمَنْع مِنْ تَعَمُّد الصَّوْم بَعْد النِّصْف، لا لِعَادَةٍ، وَلا مُضَافًا إِلَى مَا قَبْله.
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن حديث النهي عن الصيام بعد نصف شعبان فقال: هو حديث صحيح كما قال الأخ العلامة الشيخ ناصر الدين الألباني، والمراد به النهي عن ابتداء الصوم بعد النصف، أما من صام أكثر الشهر أو الشهر كله، فقد أصاب السنة.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرح رياض الصالحين: وحتى لو صح الحديث فالنهي فيه ليس للتحريم وإنما هو للكراهة فقط، كما أخذ بذلك بعض أهل العلم رحمهم الله، إلا من له عادة بصوم، فإنه يصوم ولو بعد نصف شعبان.
وخلاصة الجواب أنه يُنهى عن الصيام في النصف الثاني من شعبان إما على سبيل الكراهة أو التحريم، إلا لمن له عادة بالصيام، أو وصل الصيام بما قبل النصف. والله تعالى أعلم. والحكمة من هذا النهي أن تتابع الصيام قد يضعف عن صيام رمضان. فإن قيل: وإذا صام من أول الشهر فهو أشد ضعفاً! فالجواب: أن من صام من أول شعبان يكون قد اعتاد على الصيام، فتقل عليه مشقة الصيام. قَالَ الْقَارِي: وَالنَّهْيُ لِلتَّنْزِيهِ، رَحْمَةً عَلَى الأُمَّةِ أَنْ يَضْعُفُوا عَنْ حَقِّ الْقِيَامِ بِصِيَامِ رَمَضَانَ عَلَى وَجْهِ النَّشَاطِ. وَأَمَّا مَنْ صَامَ شَعْبَانَ كُلَّهُ فَيَتَعَوَّدُ بِالصَّوْمِ وَيَزُولُ عَنْهُ الْكُلْفَةُ.
والله أعلم


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)