قسنطينة … ماض عريق حاضر يتحدّى

قسنطينة، أو عاصمة الشرق الجزائري، يطلق عليها أيضا اسم "مدينة الجسور المعلّقة"، هي إحدى ولايات الوطن العريقة بتاريخها، تقع في الشمال الشرقي للبلاد وتحدها شرقا ولاية قالمة وغربا ولاية ميلة وشمالا ولاية سكيكدة وجنوبا ولاية أم البواقي، وقسنطينة وقد كانت قسنطينة مهد الحضارة منذ القديم، منذ عهد ماسينيسا ويوغرطة، كما كانت درعا قويا يحتمي بجبالها وتضاريسها أحرار الجزائر ضدّ الأعداد حين مواجهتهم، وقد اشتهرت بتسميتها القديمة "سيرتا".لا يخلو ذكر لقسنطينة دون أن يتبعه ذكر أسماء لامعة في مجال العلم والأدب، ومن أشهر أعلامها، رائد النهضة الجزائرية وحامي حماها، الداعية العلامة عبد الحميد بن باديس، وعلى أثر هذا النهج، تلبس قسنطينة في الفترة الأخيرة بردته، محتفية بالمناسبة العظيمة التي صارت اسما لها "قسنطينة عاصمة الثقافة العربية".يرجح المؤرخون أن تكون قسنطينة قد دخلت في حكم المسلمين صلحا في أيام عقبة بن نافع الفهري، وذلك في غزوته الثالثة التي استشهد بعدها في عام 62 هجري موافق 662 بأرض الزاب في الموضع المسمى باسمه اليوم، أو في أيام حسان بن النعمان بعده، ومند أسلم أهلها لم يرتدوا عن الإسلام.وذكر شيخ قسنطينة محمد بن عبد الكريم بن بدر الدين لفقون أن مدينة قسنطينة لم يدخلها أحد عنوة خلال تاريخها الطويل، إلا في هذه المرة، ويقصد بذلك استيلاء الفرنسيين عليها عنوة يوم الجمعة 14 رجب الفرد عام 1253 موافق 13 أكتوبر سنة 1837.نظرة على المدينةتشتمل ولاية قسنطينة 6 دوائر وكل دائرة تحتوي على عدد معين من البلديات، هي دائرة قسنطينة، دائرة الخروب، دائرة عين عبيد، دائرة زيغود يوسف، دائرة حامة بوزيان، دائرة ابن زياد، كما تشتمل على 12 بلدية هي قسنطينة، الخروب، عين سمارة، أولاد رحمون، عين عبيد، ابن باديس، زيغود يوسف، بني حميدان، حامة بوزيان، ديدوش مراد، ابن زياد، مسعود بوجريو.الموقع الجغرافي والمناختتهكيل تضاريس قسنطينة التي يبلغ تعداد السكان 440 ألف نسمة حسب تقديرات سنة 2008، ومساحتها 2187 كلم مربع، ضمن ثلاث مناطق كبرى لها المميزات المادية التالية: المنطقة الجبلية التي تقع شمالا وتمتاز بتضاريس جبلية وعرة، تمتد إلى شمال الشرق عبر مرتفع جبل وحش، والمرتفع الهام الثاني هو مرتفع شطابة بالغرب، والمنطقة الداخلية التي تتشكل من سلسلة من المنحدرات والأحواض، وهذه الوديان هي ممرات داخلية تشكلت من الاتصال بين تل الشمال والسهول العليا بالجنوب، ويصل عددها إلى أربعة: الوادي الأعلى للروميل ووداي بومرزوق والوادي الأدنى للروميل ووداي سماندو الذي يمتد إلى وادي الروميل الأدنى، والمنطقة الجنوبية التي تمتاز بانتظام التضاريس، وتعد أراضي أولاد رحمون وعين عبيد بوابة السهول العليا التي تمتد إلى غاية ولاية أم البواقي.الموارد الطبيعيةالأراضي الفلاحية: تتوفر قسنطينة على مساحة زراعية صالحة تعادل نسبة 57 بالمائة من الأراضي الفلاحية بالولاية، أي 127.400 هكتار، منها نسبة 01 بالمائة من الأراضي المسقية ونسبة 8 بالمائة تغطيها الغابات.المياه: تتلقى قسنطينة ما بين 400 و600 مم من الأمطار سنويا، وقد تم تعزيز الموارد في مجال المياه بإنتاج سد بني هارون بولاية ميلة.القدرات الاقتصادية: تظهر القدرات الاقتصادية لولاية قسنطينة في قدرات فلاحية تهيمن عليها زراعات الحبوب التوسعية نسبة 51 بالمائة من المساحة الزراعية الصالحة ونسبة 34 بالمائة من الأرض المستريحة، ويتوزع الباقي بين الكلأ والبقول الجافة والسباخ وغرس الأشجار. وقد سجل الإنتاج الحيواني في الولاية 34.375 قنطارا من اللحوم الحمراء و13.500 قنطارا من اللحوم البيضاء و37.305.00 لترا من الحليب في حين يبلغ عدد الأبقار 6914 رأسا والأغنام 54.160 رأسا.وحدات إنتاجية صناعية هامة في قطاعات الميكانيكا ومواد البناء الزراعات الغذائية.المنشآت الاقتصادية و الإدارية و الاجتماعية: وتشمل شبكة الطرقات 258 كلم من الطرقات الوطنية و 416 كلم من المسالك الولائية و 632 كلم من المسالك البلدية.تمتد شبكة النقل بالسكك الحديدية على طول 97 كلم و تضم 8 محطات و سبعة محطات لربط الشبكة منها 5 ما بين الولايات و 02 في الضاحية.يشمل قطاع النقل الجوي في قسنطينة مطارا دوليازود قطاع التربية الوطنية ب360 مدرسة ابتدائية و110 اكمالية للتعليم المتوسط و 48 ثانوية.زود قطاع التعليم المهني ب13 مؤسسة توفر 4525 مقعدا بيداغوجيا.يضم القطب الجامعي إجمالي 40.000 طالب.يتوفر قطاع الصحة على 8 مستشفيات و مركز استشفائي جامعي و 32 عيادة متعددة الخدمات و 44 قاعة للعلاج.النشاطات السياحيةتتوفر قسنطينة على قدرات سياحية مرتبطة بتاريخها، إذ أنها، تعد من أقدم المدن في العالم، ولها خاصية تتمثل في كونها تشغل بدون توقف نفس الموقع و هي الصخرة التي جعلت منها حصنا منيعا محميا طبيعيا بمضيق الروميل.وقد تغير اسمها في بداية القرن السادس واتخذت اسم الإمبراطور الروماني قسطنين الذي قام بترميمها، وقد دخلت مدينة قسنطينة في التاريخ الإسلامي مع نهاية القرن السابع، وفي بداية القرن السادس عشر، وضعت قسنطينة تحت حماية الإمبراطورية العثمانية، وخلال ثلاثة قرون حكمها البايات وارتقت إلى عاصمة بايلك الشرق الذي يغطي كل منطقة الشرق الجزائري.وتتوفر الولاية على 11 فندقا مصنفا من 2 على 4 نجوم بسعة 1600 سرير و16 فندقا غير مصنف بسعة 751 سريرا، حسب إحصائيات سابقة.جامع الباي حسين.. أقدم مساجدهذا الجامع هو أحد أهم مساجد قسنطينة، كان قبل الاحتلال الفرنسي يسمى "جامع سوق الغزل"، وقد أمر ببنائه الباي حسين، الذي تولّى حكم قسنطينة من عام 1125 إلى عام 1140 ه موافق سنوات 1713-1723م، وتم بناؤه عام 1720، ويقال ان حاج أحمد باي بن محمد الشريف زاد في سعة هذا المسجد المجاور لقصره، وفي أيام الاحتلال الفرنسي استقرت القيادة العسكرية الفرنسية بقصر الباي وانتزعت المسجد القريب منها من المسلمين وحولته إلى كنيسة وظل كذلك إلى غاية الاستقلال.قامات ومنابرتعد قسنطينة مركزا لدور العلم وتعليم القرآن الكريم، وتزخر بالمعالم التاريخية والدينية، مثل الجامع الكبير الذي يعود بناؤه إلى القرن الثالث عشر الميلادي، وضريح سيدي راشد، وقصر الباي أحمد الذي يعد نموذجا رائعا لفن العمارة العربية الإسلامية، وحمام سيدي مير للمياه الساخنة، وتضم عددا كبيرا من المساجد التاريخية والحديثة، من أشهرها مسجد الأمير عبد القادر الذي يعتبر من أكبر المساجد في شمال أفريقيا، كما تتميز المدينة بجسورها الشهيرة وهي سبعة جسور معلقة على ارتفاع 200 متر فوق وادي الرمال وقد شيّدت في مراحل تاريخية مختلفة، وبها اشتهرت قسنطينة حتى أطلق عليها مدينة الجسور المعلقة.وإلى قسنطينة تنسب الفنون والموسيقى، فهي مركز الموسيقى الأندلسية، كما تتميّز بمطبخها التقليدي، وتشتهر منتجاتها من الصناعات الحرفية التقليدية، وقد أنجبت مدينة قسنطينة عددا كبيرا من العلماء والمفكرين الإسلاميين من أشهرهم عبد الحميد بن باديس والمفكر مالك بن نبي.Share 0Tweet 0Share 0Share 0