الجزائر - A la une

مستشفى قسنطينة ومستشفى مفتاح؟!



مستشفى قسنطينة ومستشفى مفتاح؟!
صدمت وأنا أتابع بعض الصفحات على التويتر والفايسبوك بنشر تقرير للتفزيون الجزائري حول أحوال مستشفى قسنطينة وتحديدا في الجناح المخصص للولادات وكيف تنام النساء في سرير واحد ونفس السرير يحمل رضيعين أو ثلاثة حديثي الولادة.صدمت، قلت ليس لأحوال المستشفى، فالصور ليست بالغريبة علينا، وهذا هو حال مستشفيات الجزائر منذ عشريتين، بل منذ بداية أزمة 86 وما أصاب المستشفيات من قلة نظافة وإمكانيات وتقصير من الكادر الطبي، حتى أنه كان المريض مجبرا على شراء خيط الجراحة والدواء من الخارج قبل دخوله المستشفى، وبعضهم يأتي بالفراش معه من البيت! فهل هذه الاستفاقة من التلفزيون الجزائري الذي صدمنا عند مجزرة عين الدفلى بالحديث عن أجواء العيد في الجزائر مهملا الحديث عن سقوط قرابة العشرة جنود في كمين؟! من أين نزلت هذه المهنية على هذا التلفزيون فجأة، ونقل إلى المشاهد واقعا مرا؟تساءلت، من المقصود بهذا التقرير، ومن الرأس التي يراد لها أن تسقط بكشف هذه الحقيقة التي يعرفها الجميع، هل هو وزير الصحة الذي كان واليا في قسنطينة قبل أن يتحول إلى وهران ثم يأتي إلى الوزارة؟ هل هناك في قسنطينة من يريد الانتقام منه، أم أن من التلفزيون من يريد للرجل أن يسقط؟!لكن الأكيد أن هذه المهنية وهذه الجرأة لم تأت هكذا، بل لغرض ما وليس الغرض تقويم قطاع الصحة، لأنه لا يجب الذهاب حتى قسنطينة لمعرفة مأساة القطاع. لتنزل كاميرا التلفزيون أمتارا فقط من مقرها وتقصد مستشفى مصطفى باشا وستنقل العجب العجاب!؟لم ننس أن قسنطينة هي عاصمة للثقافة العربية منذ 16 أفريل الماضي، المدينة التي تزينها الأضواء الملونة ليلا لترقى إلى مستوى عواصم العالم العربي، تروي ثقلها التاريخي كعاصمة للدولة النوميدية قرونا قبل الميلاد. فهل التقرير جاء ليفضح الوجه المشوه لسياسة تسيير المدينة العرجاء في الجزائر، فكم مستشفى كانت ميزانية عاصمة الثقافة قادرة على بنائه؟!أليست تكلفة سهرة واحدة من سهرات عاصمة الثقافة كافية لترميم هذا النقص الفظيع في إمكانيات مستشفى صار عاجزا عن استيعاب الانفجار الديمغرافي المتسارع في بلادنا؟يحضرني اللحظة مثل كانت تردده دائما المرحومة أمي بلسان الأطفال (لَلِّي فوق خَخِّي) أي ارتداء لباس براق فوق الأوساخ، وبريق عاصمة الثقافة وألوان أضوائها وليالي الشعر والطرب والمسرح هناك، لم تنجح في التغطية على هذا الوجه المشوّه لمدينة كانت حتى وقت قريب قطبا ثقافيا وحضاريا ومنارة للعلم.مأساة قسنطينة مثل مآسي باقي المدن الجزائرية، ليس فقط في غياب منظومة صحية، ما زالت في عهد اقتصاد السوق تسير وفق النمط الاشتراكي المتآكل، وإنما أيضا هذا النمو الديمغرافي المتسارع مثلما أسلفت، فأصبحت الإمكانيات المحدودة في المستشفيات غير كافية على استيعابه، في غياب استثمار حقيقي بالكم والنوع في المستشفيات العمومية وحتى الخاصة، لا توفر الخدمة اللائقة مقارنة بالأسعار الملتهبة التي تطرحها.لن تعرف المنظومة الصحية تطويرا ولن تفيد فيها أية سياسة، ما لم ترافق بإصلاح اجتماعي ووضع حد للانفجار الديموغرافي بإعادة العمل بتنظيم الولادات والتخطيط الأسري، مثلما كان ذلك في تجربة السبعينيات والثمانينيات من برامج تنظيم النسل والتي أدت إلى كبح الولادات، لكن هذا النجاح لم يدم طويلا بمجرد صعود التيار الإسلامي الذي حرّم تنظيم النسل وقاد حملة عليه، فجاء الانفجار مضاعفا. ويكفي مصيبة أن زعماء هذا التيار يتفاخرون بأن لديهم ما لا يقل عن ثماني أطفال في أسرهم متعددة الزوجات، فحلت الكارثة والكارثة كانت وما تزال لها أبعاد في التأثير على المدرسة التي ترزح هي الأخرى تحت ثقل أعداد التلاميذ المتزايدة بمئات الآلاف كل سنة، وأيضا الجامعة وقطاع السكن الذي بينت الدراسات الاجتماعية أنه كلما كانت هناك دفعة جديدة من توزيع السكنات الاجتماعية كلما رافقها قفزة في النمو الديموغرافي، وهكذا نسقط في حلقة مفرغة من الزيادة باستمرار على طلبات السكن، وطلبات في مقاعد الدراسة، والجامعة وأسرة المستشفيات والمواد الاستهلاكية والنقل و.. و..فهل من يتشجع ويطرح من جديد حلا أساسيا ويذهب إلى موطن الداء، الانفجار الديمغرافي، ويطرح برنامجا جريئا وتحدى تحريم الإسلاميين لبرامج تنظيم النسل؟!لا حل لنا إلا بالعودة إلى نقطة الصفر، التحكم في المواليد، وإلا فلن تنفع أية سياسة وأي مشاريع، خاصة مع الأزمة الاقتصادية التي تطل برأسها؟!مستشفى قسنطينة ليس “فال دوغراس”، هو مستشفى مفتاح آخر لا غير!


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)