الجزائر - A la une

"الجمهورية" في ضيافة السيدة زبيدة شقيقة المرحوم عيسى مسعودي بوهران




فرنسا شددت الخناق على والدي ومارست التعذيب على أعمامي. المرحوم كان مولعا بالمسرح ومطالعة الكتب ويهوى الرياضة عشرون سنة تمر على رحيل عميد الإذاعة الجزائرية المرحوم محمد عيسى مسعودي صاحب الصوت الإذاعي المتميز الذي جاهد وناضل ودافع عن القضية الجزائرية عبر أمواج الأثير إبّان الثورة التحريرية الكبرى , من منّا لا يعرف الإعلامي الكبيرعيسى مسعودي الذي انتقل إلى الرفيق الأعلى بتاريخ 14 ديسمبر من عام 1994 إبن حي المدينة الجديدة الذي نشأ في كنف عائلة فقيرة وعاش متواضعا ملازما الميكروفون طيلة مشواره المهني إلى غاية رحيله عن هذا العالم في صمت قاتل بمسقط رأسه بوهران بعد معاناة طويلة مع المرض الذي ألزمه الفراش , رحل الفقيد وترك وراءه إنجازات كبيرة تشهد على حسن سيرته التي احتفظ بها إلى غاية وفاته فهو ذلك الرجل الذي اعترف ببسالته الرجال وقال عنه الرئيس الراحل هواري بومدين أنه ساهم في تحرير البلاد بنسبة 50 في المائة والنسبة المتبقية حققها ثوار جيش التحرير الوطني .* " عشرون سنة تمر على رحيل شقيقي دون عرفان "بمرور قرابة ربع قرن على وفاة الإعلامي المجاهد عيسى مسعودي الذي لم يحمل السلاح ولم يصعد إلى الجبال لكنه كافح بفصاحة لسانه وعذب صوته وسلاسة كلامه واحترافيته في ايقاض الضمائر حينما كان يلقي كلمات مدوية من على منبر الإذاعة بصوت الجزائر الحرة الذي زلزل كيان العدو وأسمعه لمن به صمم , عبارات تقول " صوت الإذاعة الحرة من قلب الجزائر " كانت بمثابة سهام قاتلة تصدى بها للمستعمر عبر الميكروفون رغم أنها كانت صدى أمواج الأثير المنبعتة من الحدود المغربية وقبلها من تونس في فترة تأسيس الإذاعة السرية وكان صوته الإذاعي يدوّي في كل مكان حيث ساهم شهيد المكروفون في تبليغ رسالة شعب مقهورعبر الاقليم العربي والمغاربي وفضح أساليب فرنسا الدنيئة , وإن لم يكن عيسى مسعودي متخصصا في فك شفرات القنابل والتخطيط لدحر العدو عى جبهات القتال لكنه قام بدوره على أكمل وجه وكان صوته القوي العذب يعلو ويتعالى على دوي قذائف وذبابات فرنسا في هذه الذكرى التاريخية ارتأينا أن نقف وقفة إجلال وترحم على روح الفقيد الذي ترك رصيدا حافلا من الأعمال الإذاعية التي ساهمت في تحرير البلاد ولهذا الغرض قمنا بزيارة خاطفة إلى أسرة المرحوم وقصدنا بيت شقيقته السيدة .* الفقيد عاش تعيسا في آخر أيامه ولم يحظ بالاهتمامزبيدة عيسى مسعودي التي تقطن في الطابق الرابع بعمارة في حي الصديقية رحبت بنا رفقة زوجها وصهرها وفتحت لنا بيتها وقلبها وتحدثت في البداية عن المرحوم بحسرة كبيرة حينما استحضرت آخر أيامه وهو على فراش المرض وأول ما جاء على لسانها قائلة " شقيقي رحل تعيسا , كئيبا جراء ما حدث له من عدم اعتراف ونكران لما قدّمه للجزائر , إلى درجة أنه عانى الأمرّين في فترة مرضه دون أن يحظى بتكفل من المسؤولين ولولا زوجته التي طلبت يد المساعدة من بعض المعارف لما تنقل شقيقي إلى الخارج من أجل متابعة العلاج . " المهّم تضيف السيدة زبيدة التي لاتتذكر جيدا مراحل صباه والتحاقه بتونس لمواصلة تعليمه لأنها الأخت الصغرى لكنها علمت من شقيقتها الكبرى المرحومة هوارية التي كانت الأقرب إليه وتعرف كل أسرار الفقيد أن محمد ( عيسى مسعودي) كان مولعا بالمطالعة ويعشق رياضة كرة القدم كما تعلم قراءة القرآن الكريم في المدارس القرآنية حيث لقّن أصول اللغة العربية ليواصل تعليمه في مدرسة الفلاح على يد الشيخ الأستاذ "الزموشي سنة 1946 ثم تنقّل إلى معهد "عبد الحميد بن باديس" بقسنطينة وكان أيضا يهوى المسرح منذ صغره . * فرنسا لاحقتنا بالكلاب بعد سفره إلى تونسوهذا ما مكنّه من السفر إلى تونس في عمر 15 سنة أين قضى معظم حياته هناك , قبل أن يتفوق على رفاقه في جامع الزيتونة بتونس ويعيّن على رأس جمعية الطلبة , وأشرف على حصة "صوت الجزائر العربية ّمن تونس والتحق بعدها بالإذاعة السرية لجيش التحرير الوطني على الحدود المغربية المعروفة ب «صوت الجزائر الحرة». السيدة زبيدة واصلت حديثها الشيق ل «للجمهورية» و أضافت أن فترة نجاح شقيقها في احياء الحمّاس الثوري والمشاركة في الكفاح عبر أمواج الأثير المتنقل جعلته مطلوبا لدى فرنسا وقالت لقد تعرضنا للاضطهاد من طرف عساكر العدو التي كانت تطاردنا بواسطة الكلاب وتقتحم منزلنا القديم الكائن بشارع 29 علي محي الدين بالمدينة الجديدة لغرض التفتيش والبحث عن كل شيء له علاقة بشقيقي ولم يسلم والدي وأعمامي من قهر التعذيب ففي كل مرة كان يجرهم العساكر الى السجون والمعتقلات لإستنطاقهم حول طبيعة نشاط شقيقي .* والد المرحوم وأعمامه عانوا ويلات التعذيبلقد عانينا الأمرّين وبالأخص والدي ووالدتي التي قالت ذات مرة أنها لم تشبع من قرة عينها وابنها الوحيد الذي عاش بعيدا عنها مع العلم أنه الأخ الأكبر وسط 5 بنات . وهن محدثتكم وأخواتي هوارية , يمينة وميمونة المتواجدة حاليا بفرنسا للعلاج ، وكل ما أتذكره عن المرحوم أنه كان دائم المطالعة في البيت لم يعش فترة الطفولة كبقية أترابه بل كان يحب القراءة ويتكلم معنا بالغة الفصحى وبعد سفره إلى تونس عشنا ويلات الجحيم بفعل الضغوطات التي كانت تمارسها فرنسا على والدي وأعمامي ففي كل مرة يجرونهم الى مراكز البوليس من أجل إجبارهم على الاعتراف خصوصا وأن المرحوم كان يتصدى للعدو من خلال كشف فضائح وأكاذيب الإدارة الفرنسية التي كانت تنشر الشائعات بينما شقيقي الذي كان يثقن عمله الإذاعي جمعته علاقات ببعض المجاهدين وقادة جيش التحرير الذين كانوا يزودونه بالمعلومات كما منحته القدرة الإلهية صوتا قويا يوقض العزائم ويحمس النفوس فضلا على امتلاكه الحس الصحفي الميداني من خلال نشاطه مع الثوار .* بن مهيدي ,بوصوف والآخرون مصادر المعلوماتفكانت له اتصالات بالمجاهدين الذين كانوا يزودونه بالمعلومات عبر الأجهزة اللاسلكية ويفنذون مزاعم العدو في صورة المجاهد بوصوف والعربي بن مهيدي خصوصا في فترة نشاطه مع جيش التحرير في الحدود الغربية أين تم إطلاق صوت الإذاعة الجزائرية الحرة الثابتة .* فرنسا حاولت مساومة والده ولم تنجحمحدثتنا أكدت أن هذه الفترة التي عمل فيها المرحوم مع ثوار جيش التحرير لم تمر بسلام على أفراد عائلته التي حاولت فرنسا أن تنتزع منها اعترافات بالقوة لكنها فشلت بل تجرّأ العدو على إرغام والده بالعمل لصالح فرنسا مقابل إغرائه بالمال ومنحه منصب حاكم بحي المدينة الجديدة لكن العائلة الفقيرة التي أنجبت بطلا حارب فرنسا بقول كلمة حق لقهر الباطل ,جذورها أصيلة وفروعها صلبة أبا عن جد لا لشيء سوى لأن الوالد الكريم المرحوم عيسى مسعودي عبد القادر رفض الركوع و فضّل أن يفلت بجلده وينقذ عائلته بعدما غيّر محل إقامته وانتقل إلى حي" شولي" هروبا من الضغوطات الفرنسية التي حاولت أن تنتقم من عيسى مسعودي وتفرض على والده مساومات بخسة ولأن الوطنية التي تحلى بها المرحوم كانت مستمدة من دم أبيه الذي كانت تذرف السيدة زبيدة دموعها لأجله عندما كان يهرول مسرعا إلى جهاز راديو في موعد بث الحصة الإذاعية للمرحوم وحتى الجيران ذاقوا نصيبا من التعذيب فقد تعرضوا للضغوطات وكنا- تضيف شقيقة المرحوم- نسمع المذياع بصوت خافت حتى لا نتفاجأ بدخول قوات العدو التي كانت تترقب تحركاتنا دوما. * الحاجة يمينة شقيقة المرحوم ذات81سنة لاتملك سكن لائقونحن نتبادل أطراف الحديث مع السيدة زبيدة بحضور زوجها دخل صهر العائلة الدكتور موصلي شكيب وهو زوج إبنة شقيقة المرحوم السيدة يمينة ومن خلال تدخله لمسنا حجم معاناة أسرة الفقيد التي استمرت بعد وفاته حيث فاجئنا بالقول أنّ عائلته تضررت من التهميش والمعاناة إلى درجة أنّ الحاجة يمينة التي تبلغ من العمر 81 سنة وهي إحدى أخواته لا تملك مسكنا لائقا حيث تقطن في حي شعبي ب"سان بيار" في شقة ضيقة لا تتجاوز مساحتها 60 مترا رفقة 7 أفراد ورغم استنجادها بالسلطات المحلية لولاية وهران من أجل الاستفادة من سكن إجتماعي لكنها لم تتلق ردا شافيا من المسؤولين وبقيت تنتظر تجسيد الوعود لكن لاحياة لمن تنادي ولاتزال شقيقات المرحوم يكابدن مشقة الحياة في ظروف أقل ما يقال عنها أنها سيئة لا تليق بمكانة وسمعة عائلة عيسى مسعودي التي أنجبت مهندس نصف الثورة الفقيد البطل محمد عيسى مسعودي المدعو حماني وسط أحبابه. ولم يشفع التاريخ الذي صنعه المرحوم بحكم سيرته الإذاعية الغنية عن التعريف ومساهمته بنسبة كبيرة في تحرير البلاد في أن تحظى أسرته البسيطة بسكن لائق في زمن الحرية والاستقلال وحتى شقيقته السيدة ميمونة التي تخضع للعلاج بفرنسا تعاني من نفس المشكل ولحسن حظها أنها تقتسم الشقة الوحيدة التي تملكها السيدة يمينة رفقة إبنتها وفي هذا الشأن كشفت السيدة زبيدة للجمهورية أن المرحوم الذي كان يتمتع بالطيبة ويعطف على" القليل "لا يفكر في مصالحه الشخصية رحل عن هذا العالم وهو يتحسّر غيضا على الوضعية الاجتماعية لعائلته التي لم تلق الاعتراف والامتنان من السلطات فالحاجة ميمونة التي تعالج في فرنسا كانت أيضا مجاهدة وجازفت بحياتها عندما كانت تحمل قفة مملوءة بالأسلحة إلى المجاهدين لكنها رفضت المطالبة بحقها في المنحة ولم تلهث وراء الحصول على بطاقة البلدية حتى لا تجزي عن ماقامت به خلال الثورة لأنها اعتبرت ذلك من واجبها الوطني الذي لاتنتظر منه التعويض. ففي الوقت الذي كنا نتوقع من أقارب الفقيد الحديث باسهاب عن مآثر المجاهد عيسى مسعودي وجدنا العائلة تئن من مرارة التهميش و لا تعدو أن تكون ذكرى وفاته مجرد مناسبة تمر مرور الكرام باستثناء التكريمات المقتصرة على تدشين بعض الساحات والقاعات باسم المرحوم لا أحد فكر في الظروف المعيشية القاسية التي تكابدها شقيقاته في الوقت الحالي. وفي ختام حديثها حز في نفس السيدة زبيدة التي تتذكر آخر أيام المرحوم تحسرت لوفاة شقيقها في ظروف قالت أنها عجلت برحيله وقالت أنه شغل عدة مناصب ولم يفكر في حاله وماله فقد كان سفيرا في جاكارتا و الإمارات وعّين على رأس الإذاعة الجزائرية وهو لايملك مسكنا بل استأجر في البداية منزلا بحيدرة بالعاصمة ثم اقترض مبلغا لشرائه وأعاده لصاحبه بعد ذلك و مكث لفترة طويلة بدون عمل حيث كان يتقاضى منحة لا تتجاوز 6000 دج وألّف كتابا قبل إصابته بمرض عضال وعلمنا أن شهيد الميكروفون توفي بعد إصابته بورم سرطاني في الحنجرة حيث طالبت عائلته مرارا وتكرارا المسؤولين باستعادة الكتاب الذي ألّفه قبل وفاته لكنهم لم يتمكنوا من استرجاع هذا الموروث الذي تركه عيسى مسعودي بين أيدي الرئيس الراحل علي كافي في الفترة التي كان يقوم فيها المرحوم بكتابة خطابات الرئيس ومنذ ذلك الحين لم يظهر عليه أي أثر وفي وصيته الأخيرة طالب المرحوم من عائلته باسترداد الكتاب ونشره.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)