الجزائر - A la une

بالإرادة وحب الوطن قهرنا الحكومة الفرنسية




بالإرادة وحب الوطن قهرنا الحكومة الفرنسية
سعت قوات الجيش الفرنسي مباشرة بعد ولوجها أرض الوطن إلى بسط السيطرة على كل أملاك الجزائر التي تم اعتبارها جزءا من التراب الفرنسي، ليتم تسييرها من قبل الإدارة الفرنسية من باريس، وعادت مناصب المسؤولية إلى المعمرين، وخلال سنوات الاحتلال الطويلة دمرت الجزائر على كل الأصعدة ليتم نهب ثروات البلاد التي كانت تحول عبر السفن إلى فرنسا، كما تعرض المجتمع الجزائري للفقر والأمية، ليرث الجزائريون كل مظاهر التخلف بعد الاستقلال، فكل الإدارات مشلولة، والمصانع تعرضت للتخريب وسط ارتفاع نسبة الأمية، ليقرر قياديو الثورة وجبهة التحرير الوطني استغلال كل الكفاءات في تلك الفترة من مجاهدين كانوا استفادوا من تكوين خارج الوطن، وأعضاء الكشافة الإسلامية الذين تتلمذوا على يد المشائخ الكبار.إعادة بناء الجزائر بعد خراب مسها لأكثر من قرن و30 سنة لم يكن بالشيء السهل، حسب شهادات من عايشوا تلك الحقبة، وحسب تصريح العميد محمد رضا بسطنجي رئيس فرع الرواد بالكشافة الإسلامية الجزائرية ل«المساء» فقد لجأ أعضاء الحكومة المؤقت منذ الوهلة الأولى إلى الكشافة الإسلامية للاستفادة من معارف شباب تلقى تكونا خاصا ولهم معارف بسيطة في عدة مجالات، ليتم توظيفهم في مناصب حساسة تتعلق بالإعلام والتدريس.ويقول السيد: "بسطنجي أننا تمكنا فعلا من رفع رهان إعادة البناء بالمعارف البسيطة التي كنا قد تحصلنا عليها خلال مشوارنا النضالي، فالواحد منا كان يكمل أخاه وحاولنا تبادل المعارف ما بيننا بهدف إعادة إطلاق عجلة التنمية ووضع القطار على السكة، وبالإرادة وتشبعنا بحب الوطن رفعنا الرهان وخيبنا ظن المعمرين الذين خرجوا متيقنين بأننا سنضطر للجوء إليهم بهدف إعادة تفعيل النشاط الاقتصادي، وبذلك نكون قد ربحنا المعركتين الأولى المتعلقة بنيل الاستقلال والثانية تخص إعادة بناء الجزائر بسواعد جزائرية 100 بالمائة».من جهته، تطرق المجاهد والسفير السابق السيد صالح بن قبي في تصريح ل"المساء" إلى أن حنكة الجزائريين في تلك الفترة أبهرت الجميع، والدليل على ذلك هو أننا دخلنا عالم الدبلوماسية بدون تكوين مسبق، وتمكنا من الجلوس على طاولة المناقشات مع دبلوماسيين تلقوا تكوينا خاصا في أكبر الجامعات ونحن من خريجي غياهب السجون الفرنسية.خيبنا ظن المعمرين وخرجنامن السجون إلى عالم الدبلوماسيةوأشار بن قبي إلى أنه لم يكن يتوقع يوما أن يكون مصنفا من ضمن خيرة الدبلوماسيين وينقل تجربة الجزائر إلى الدول الصديقة وهو الذي لم تكن له أي تجربة مسبقة، مشيرا إلى أنه يتذكر جيدا أول مهمة له خارج الوطن مباشرة بعد الاستقلال، وذلك خلال مشاركته المجاهد ووزير التربية السيد عبد الرحمان بن حميدة في اجتماع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو» التي عقدت شهر أكتوبر 1962 بالعاصمة الفرنسية باريس.وحسب شهادة بن قبي فقد دخل عبد الرحمان بن حميدة إلى مبنى هيئة اليونسكو وهو حامل سلاحه الذي لم يتخل عنه يوما، وحذرته في تلك الفترة من إمكانية خلق مشكلة سياسية وضرورة إعلام مصالح الأمن بحمله لسلاحه لكنه رفض، ورغم أن الجزائر كانت قد خرجت حديثا من فترة استعمارية دامت قرنا و30 سنة إلا أن الحكومة قررت التحضير للدخول المدرسي شهر أكتوبر وفعلا تم ذلك بإمكانيات بسيطة.من جهتنا، حرصنا نحن المشاركون في الوفد على استقطاب اهتمام الدول الأعضاء في المنظمة ليتم مساعدة الحكومة الجزائرية على ترميم المؤسسات التربوية التي هدمت إبان الثورة التحريرية وفتح الجامعات مع توفير أساتذة مكونين، وفعلا استفدنا من دعم المنظمة وتمكنا من إعادة فتح كل المؤسسات التربوية لمكافحة الأمية التي كانت تعتبر من أولوياتنا، وسمحت إرادة ثلة من قادة حزب التحرير الوطني بكسب معركة البناء بمعارفها البسيطة وقلة خبرتها.وبتاريخ 20 سبتمبر 1962 تم انتخاب 196 عضوا يمثلون المجلس الوطني لتنعقد بتاريخ 25 سبتمبر أول جلسة لأعضاء المجلس التأسيسي وألقى فرحات عباس كلمة مطولة أمام أعضاء المجلس ذكر فيها بالثورة التحريرية والتضحيات الجسام التي قدمها الشعب الجزائري، ليتم في نهاية الجلسة انتخاب فرحات عباس رئيسا للمجلس التأسيسي، وقام أعضاء المكتب السياسي لحزب التحرير الوطني المنبثق عن مؤتمر طرابلس بترشيح السيد أحمد بن بلة كأول رئيس للحكومة الجزائرية بعد الاستقلال، وبذلك تكوّنت أول جمهورية جزائرية يوم 26 سبتمبر 1962، وكان مؤتمر طرابلس الأرضية لإعداد الخطوط العريضة للسياسة الجزائرية.رص الصفوف وتحويل جبهة التحرير الوطني إلى حزبمباشرة بعد المؤتمر تم تحويل جبهة التحرير الوطني إلى حزب جبهة التحرير الوطني وتبني سياسة الحزب الواحد ورفض التعددية الحزبية، وهو الحزب الذي وضع الخطوط الكبرى لسياسة الوطن، كما تم تغيير اسم جيش التحرير الوطني إلى جيش التحرير الوطني الشعبي سليل جيش التحرير الوطني مهمته الحفاظ على الاستقلال الوطني ووحدته الترابية، أما في مجال السياسة الخارجية فقد تم تبني سياسة مبنية على الحفاظ على الاستقلال الوطني ومحاربة الاستعمار والإمبريالية، مع دعم الحركات التحررية، خاصة في إفريقيا ودعم النضال من أجل التعاون الدولي.وتشير شهادات العديد من المجاهدين إلى أن حنكة قياديي الثورة وحبهم للوطن ساعدهم على تجاوز كل الخلافات التي ظهرت بين عدة حركات سياسية ليتم انتخاب المجلس التأسيسي ورئيس الحكومة مع إنشاء أول دستور للجزائر الحرة مستقلة سنة 1963، حيث تم إعداد المشروع شهر جويلية 1963 من طرف المكتب السياسي بإيعاز من الحكومة، وبعد مناقشته عرض على الشعب للاستفتاء في 8 سبتمبر 1963 وتم إصداره في ال10 من نفس الشهر.ويتميز دستور 1963 بأنه اهتم بتنظيم السلطات لم يهمل الجانب التاريخي والنضالي للشعب الجزائري وانتمائه العربي الإسلامي، كما أنه حدد مبادئ وأهداف النظام في ظل الاختيار الاشتراكي، والحزب الواحد رافض التعددية الحزبية والنظام الاقتصادي الحر.وبخصوص إعادة بناء الإدارة الجزائرية أشار بن قبي إلى أن الحكومة بذلت العديد من المجهودات لحل أزمة البطالة وتوظيف ما بين شهر سبتمبر وديسمبر 1962 حوالي 40 ألف جزائري، وقد تم اختيار كل مواطن تلقى تكوينا مسبقا، في حين تقرر إدماج عدد كبير من المجاهدين في الحياة الوطنية ومنهم من انتدب ضمن رجال الدرك والشرطة وحراسا للغابات، وهناك من المجاهدين الذين فضلوا استغلال الأراضي الزراعية الشاغرة.ونظرا لضعف الإمكانيات المالية للدولة وجهت الحكومة الجزائرية برئاسة بن بلة نداءا إلى الشعب الجزائري تدعوه إلى التبرع لدعم ميزانية الدولة وإعانتها على القيام بمهامها وذلك كل حسب استطاعته، فقام الرجال بتقديم ودائعهم المالية في حين تدافعت الجزائريات للتبرع بمصوغاتهن الذهبية والفضية للصندوق والتضامن الوطني، وهي المبادرة التي علّق عليها بن قبي بأنها من شيم المرأة الجزائرية التي كانت قد سبق وأن قدمت زوجها وابنها وأخاها فداءا للوطن خلال الحرب التحريرية الكبرى.من جهته، تحدث المجاهد عبد القادر نور الذي تقلد منصب مدير للإذاعة والتلفزيون عن بسالة المجاهدين الذين فضلوا العمل بأقل الإمكانيات عوض العمل تحت الراية الفرنسية في كنف الاستقلال، مصرحا ل"المساء" أنه رفض العمل كمراقب بمقر الإذاعة والتلفزيون الذي بقي تحت سيطرة المعمرين بعد 5 جويلية 1962 بمقتضى اتفاقية إيفيان، مشيرا إلى أن الحكومة المؤقت لم تكن تؤمن بفكرة تسليم مقاليد التسيير إلى الجزائريين بالنظر إلى قلة الخبرة والمعرفة، لكننا أكدنا عزمنا على مواصلة النضال الذي تحوّل من الجبال إلى مقرات الإدارة والتسيير، مشيرا إلى أنه يتذكر جيدا ما قاله الرئيس الراحل بن بلة له وللمجاهد عيسى مسعودي، عندما علم بنيتهم في طرد المسيرين الفرنسيين من مبنى الإذاعة والتلفزيون وعزمهم على مواصلة العمل بكفاءات جزائرية؛ «أنتم قادرين عليها، إذن هي لكم، اظهروا لنا ما بجعبتكم»، وفعلا تمكنا ب 34 تقنيا فقط من مواصلة البث بطريقة عادية ليتم توظيف عدد من الشباب وتكوينه للتحكم بمعدات الإرسال، مع استغلال أقدم جهاز بث تحصلت عليه جبهة التحرير الوطني لإطلاق الإذاعة السرية، وبالقليل وصلنا إلى الكثير.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)