الجزائر - A la une

لا تزال قابلة بالرغم من تقاعدها أيام العشرية السوداء "الخبر" في ضيافة خالتي أم الخير خوجة أكبر قابلة في الجزائر



لا تزال قابلة بالرغم من تقاعدها أيام العشرية السوداء
هي أكبر ”مولّدة” أو قابلة في الجزائر ولمَ لا في العالم، هي خالتي ”أم الخير خوجة”، المولودة بتاريخ 18 مارس 1937. وجميع من قابلناهم في طريقنا للسؤال عنها أكدوا لنا أنها أكبر قابلة في الجزائر لا تزال تمتهن عملها، بالرغم من تقاعدها من مستشفى ”محمد بوضياف” بمدينة بريكة في باتنة، حيث تبقى القابلة الأكثر طلبا في الولاية والمناطق المجاورة لتفانيها في عملها وحبها لعملها، بالرغم من بلوغها ال73 عاما.لم نجد صعوبة تذكر ونحن نسأل عن منزل خالتي ”أم الخير”، فكل من قابلناهم في طريقنا لمسكنها دلّنا بكل حب وبعبارات شكر في حقها، حيث اخترنا يوما صيفيا عرفنا فيه من خلال مصادرنا تواجدها في المنزل بعد اتصالات هاتفية، لنقوم بزيارتها، توجهنا لمنزلها الواقع مباشرة خلف مقر الدرك الوطني في وسط مدينة بريكة في باتنة، كانت الساعة الواحدة ظهرا. شعرنا بالخجل لوصولنا في هذا الوقت من النهار، وتملّكنا نوع من الخوف والفزع لرد فعلها في هذا الوقت من النهار والمفترض أن يكون وقت صلاة وغداء. وبمجرد طرقنا باب منزلها رجعنا خطوتين للخلف خوفا من تصرفها معنا، وما إن فتح الباب ظهر شاب في العقد الرابع على ما يبدو عليه، سألته عن خالتي ”أم الخير” فأخبرني أنه ابنها البكر وأنه سيناديها. أدخلنا المنزل وبعد لحظات قلائل أطلّت علينا القابلة المحبوبة خالتي ”أم الخير”، وقبل أن تعرف من نحن رحبت بنا ترحيبا كبيرا مع ابتسامة بريئة لم تفارق وجهها طيلة الجلسة، حيث أدخلتنا الصالون وسألتنا بعدها من نحن. عرّفنا بأنفسنا فزاد ترحيبها بنا، وأخذت تدردش معنا دون حرج أو عقدة من الصحافة وبكل رحابة صدر. كما لم تنسى أن تقوم بجلب الغداء والكسرة التقليدية، التي تناولناها بكل حب ونحن ندردش حول حياتها العائلية وعملها كقابلة وكيف وفقت بين الاثنين وكونها لا تزال تمارس المهنة حتى بعد تقاعدها، وذلك بطلب من المستشفى لمعرفتهم بقدراتها وثقتها بنفسها وتفانيها وحبها لعملها.
”بدأت عملي كقابلة قبل الاستقلال”
تبادرت الكثير من الأسئلة وعلامات الاستفهام في ذهننا لطرحها على خالتي ”أم الخير”، غير أننا حاولنا تنظيمها وترتيبها لتكون متسلسلة، فكان سؤالنا الأول عن بداية عملها كقابلة أو مولّدة أطفال كما يدعوها أهل الولاية، فردت أنها دخلت المجال مع عام 1961 وأنها عملت في بداية الأمر كعاملة نظافة لمدة 6 أشهر، قبل أن تقوم بالسعي وراء الحصول على شهادات ودبلومات عن الإسعافات الأولية وكيفية الحقن، حبا في مهنة التمريض قبل أن تدخل عالم القابلات وتمتهنها طيلة حياتها، بالرغم من تقاعدها. مضيفة أنه منذ مباشرة عملها بالمستشفى، منذ أزيد من نصف قرن، لم تسجل أي حالة وفاة، بل إن الحوامل جميعهن كانت ولاداتهن سهلة وطبيعية ودون عمليات قيصرية، مؤكدة أن أزواج النساء الحوامل يحضرون من مختلف البلديات والدوائر من داخل باتنة وخارجها لأخذها لمعاينة نسائهم في بيوتهن، وأنها لم تتأخر يوما عن فعل الخير أو تلبية طلب مريضة مهما كانت المسافة قريبة كانت أو بعيدة.
وعن مشاركتها الثورة مع أبناء المنطقة، أكدت أنها مجاهدة بالرغم من رفضها لامتلاك الوثائق الدالة على ذلك، وأنها ليست بحاجة لوثائق لتدل على مشاركتها في الثورة، وأكبر دليل على ذلك تلقيها ضربة قوية من قِبل أحد ”الڤومية” على رأسها. خالتي ”أم الخير” قالت إنها مهامها لم تقتصر على التوليد، بل كانت ترافق المرأة الحامل وتتابع تطور حملها حتى تضع جنينها بصحة جيدة، وتقول إن النسوة مازلن يثقن فيها ويجلبنها لبناتهن من فترة الحمل إلى الولادة مرورا بمراحله، حيث وبحسبها أنها لا تؤيد فكرة التوليد المنزلي، معربة عن تخوفها من نتائج ذلك على صحة الأم والطفل. وتشير دائما إلى أن نسبة الوفيات خلال الولادة مرتفعة في المستشفيات، فكيف سيكون الأمر في منزل غير مجهز؟ إلا أنها لم تخف وجود تعقيدات قد تتطلب تدخلا سريعا يصعب القيام به في حالة الولادة داخل البيت، بالمقابل أكدت أن نسبة الولادات تعرف ارتفاعا كبيرا في شهر رمضان الفضيل.
أمتطي الخيل وتزوجت من مجاهدين ولدي 9 أبناء
وعن حياتها الشخصية، بين بدايتها ولحد بلوغها سن الثالثة والسبعين عاما، فقد واصلت تقول إنها عندما كانت في مقتبل العمر كانت تمتطي الخيل وتعشق قيامها بذلك، لما يعطيها من هيبة وشخصية على عكس قريناتها في وقتها واللواتي كانت أعمالهن تقتصر على الطبخ وتربية الأطفال، حيث قالت إنها تعلّقت بركوب الخيل منذ الصغر وعملت بمجال الحصد والحرث، مثلها مثل الرجل دون خجل لمعرفتها بضرورة التعاون بين الرجل والمرأة من أجل غد أفضل، وعن زواجه تقول خالتي ام الخير: ”وقد تزوجت من مجاهد استشهد قبل الاستقلال سنة 1958، وأنجبت منه ثلاثة أبناء، ثم زواجي الثاني كان بمجاهد والذي أنجبت منه ستة أبناء”، وتقول خالتي ”أم الخير” إنها سعيدة في عيشها مع أبنائها، فلم تخف حبها لهم عن طريق معاملتها الحسنة والطيبة مع ابنتها أمامنا، والتي قامت هي الأخرى بالترحيب بنا وجلب ما لذّ وطاب فوق المائدة التي لم تخلو من طبيخ خالتي ”أم الخير”.
تدرّبت على أيدي بلغار وروس
وفي مواصلة حديثها لنا أضافت أنها بالرغم من عدم دراستها لمهنة ”القابلة”، إلا أنها رغبت في الحصول على تكوين مميز يضمن لها العيش لاحقا والإتقان لمهنتها الصعبة، ومن أجل ذلك فقد استفادت خالتي ”أم الخير” من تدريبات وتكوينات من أطباء وقابلات من روسيا وبلغاريا، بالمستشفى الذي كانت تعمل فيه وقت الستينيات إلى غاية 1970، وهو ما أهلها، حسبها، إضافة إلى خبرتها الطويلة في ميدان التوليد إلى وصاية وتدريب القابلات الشابات في مستشفى محمد بوضياف بمدينة بريكة، مضيفة أن القابلات حاليا لا يتعدى عددهن أصابع اليد في المستشفى، ”ومن الضروري توفير المزيد منهن لتغطية العجز المتواجد والتخلص من لجوء الحوامل إلى خارج المدينة لوضع أطفالهن معرضين حياتهن لخطر السفر والوفاة أمام صعوبة المسالك وبعد المسافات”، كما لم تنس أنها كانت تقوم بالسفر خارج الولاية أحيانا كثيرة لمتابعة حالات معينة من الحوامل وتوليدهن إن اضطر الأمر إلى ذلك. ولم تخف حاجة المستشفى لخبرتها الطويلة وطلب إدارة المستشفى، منها تلبية نداء الواجب كلما احتاجوا إليها، مؤكدة أن سيارة الإسعاف كثيرا ما تتوقف أمام باب منزلها لأخذها للقيام بولادات لنساء قد يكون استعصى على القابلات هناك أمر القيام بعملية التوليد أو خوفا من تسجيل وفيات في صفوف الحوامل والأجنة. غير أنها أضافت أن طلب المستشفى منها القيام بذلك جاء بناء على مطالب أهل المدينة أن تكون قابلة على أطفالهم ونسائهم لثقتهم الكبيرة فيها.
«لم تتوف أي من الحوامل على يدي”
أخبرتنا خالتي أم الخير أنها ومنذ مباشرة عملها كقابلة لم تتوف على يدها أي من الحوامل منذ مباشرة المهنة من أزيد من نصف قرن ولحد الساعة، وهو فأل خير على كل من تقوم بتوليدها وهو ما جعلها مقصدا من داخل الولاية وخارجها، خاصة وأنها تعتمد على التوليد الطبيعي وليس بالآلات والوسائل الحديثة، وأن قيامها بمعاينة الحامل يتم دون استخدام أي آلة كانت بل بالعين المجردة واللمس فقط. وفي سؤالنا حول مواقف جيدة كانت قابلتها أثناء عملها، أجابت بابتسامة أنها قامت بتوليد سيدة سنة 1994 أنجبت ثلاثة توائم تنحدر من بريكة، وسيدة أخرى سنة 2003 أنجبت 3 توائم هي الأخرى وكانوا كلهم ذكور، وكانت السيدة تنحدر من مدينة بلعايبة بولاية المسيلة.
وفي الأخير أهدت خالتي ”أم الخير”، أكبر قابلة صاحبة الباع الطويل في مجال القابلة، سلاما خاصا لجريدتنا وشكرا لأهل بريكة والمناطق المجاورة التي احتضنوها بعد تقاعدها من عملها، وطالبوا من إدارة المستشفى إعادتها لمنصبها ووضعهم كامل ثقتهم بها كأم قبل كل شيء، قائلة أنها أم مدينة بريكة لقيامها بجميع عمليات الوضع.
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)